حياة الشيخُ عَبد القادر امباكّي الإمام
القُدوة – رضي الله عنه وقدّس سرّهُ –
الشيخُ عَبد القادر امباكّي الإمام القُدوة – رضي الله عنه وقدّس سرّهُ –
۞ ولادةُ الشَّيخ عبد القادر امباكِّي الإمام القدوة
في ليلة الجمعة الثالثة من شَهر محرّم عام جلسش 1332 من هجرة سيِّدنا المُصطفى عليه أفضَل الصَّلاة والسَّلام والآلِ والصَّحب المُزحزحِي الظلام، الموافق 20 نوفمبر 1914م أبصر الشيخُ عبد القادر امباكي الإمام القدوة – رضي الله عنه – النورَ في دار العليم الخبير المشهُورة بـ” اندام” وهي قرية تبعد عن طوبى ببضع كيلوميرات ، والتي أنشأها الشيخ الخديم للتربية والتعليم سنة 1892م على الأرجح، وانتخب مُريده المقرئ المحفّظ لأبنائه الكبار الشيخ عبد الرحمان مشرفا عليها [1].
ولله درّ العلامة الشيخ عبد الرَّحمان امباكي – حفظه الله – الذي يقُول في مرثية الحَجِي بِالسَّبق فِي الإمامةِ والقيادةِ :
شَرُفَ الْحَيَاةُ بِنُورِ مَوْلِدِهِ الْوَضِيءِ = بِجَلْسَشٍ مِنْ هِجْرَةِ الْمُخْتَارِ
فَأزَاحَ ظُلْمَةَ الْوُجُودِ طُلُوعُهُ = كَالْبَدْرِ فِي أُفُقِ السَّمَآ الْبَهَّارِ
ومما سَجل التاريخ أنَّ الشيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه – لما أبصر النُّور أرسل والدُه المريدَ الصَّادق مام جيرن إبراهيم فاط من جُربل إلى دار العليم الخبير (اندام) لتَسميته وقال له: ” كُلّ من لاقيتَه فِي الطريق فهو مغفُور له من الآن وحتى عَودتك إلينا بعد التَّسميةِ “.
۞ نسبُه ونشأتهُ :
ومما لا شكَّ فيه أنَّ الإمام الشيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه – ينتمي إلى أسرة طيّبة مُتدينة مشهُورة بالعلم والصَّلاح والنَّخْوة [ أعني المُروءة] والشَّهامة والنُّبلِ، فهو نجل المجدّد والمحافظ والمحيي الشيخ أحمد الخديم – رضي الله عنه – الذي كان ممن يشار إليهم في التضلع في العلوم النقليلية والعقلية، فَوالدته كانت يُضرب بها المثل في العفاف والعبادةِ المعروفة السَّيدة سُخن آمنة بوسُو بنت الشيخ محمد بوسو الشهير بـ(سرين امبُسُوبِي) ـ شقيق السيِّدة جارة ـ بن مام أست والو بنت أحمد سُخن بوسو بن مهرم، ومن جهة أخرى كانت أمها آمنة بنتا لـ كَنِّ عَيْشَ بنت مُورْ جِي بن إبراهيم حَوَ جَنكْ بن مَهرم، وأيضا كانت آمنة بنتا لـ كَنِّ عَيْشَ بنت عَيْشَ بَلَّ بنت مَام بَلَّ بن مَهرم – رضي الله عنهم – ، ولهذا الشيخ الجليل شَقيقتَان من جهة أمّه أعني السّيدة ميمونة امباكّي الكبرى المولودة 1908م 1325ه ، والسيدة خَديجة التي ولدت أواخر 1910م .
ومِن هَذا البلد الطيب خَرج هَذا النبات – ولا غرو – طيبا زكيا، ونهل من ينابيع والديه التّقى والمروءة والدين ، والورع والزهد والصَّلاح وكمال اليقين، فحق عليه المثل القائلُ: (( مَن شابه أبه فما ظلم))، وكذلك قول الشّاعر:
فإنك فَرع طيِّبٌ طابَ أصلُه = ولا غَرو فِي فَرع إذا شَابه الأصلاَ
[ ينظر: الشيخ عبد القادر امباكي العالم السُّني والمريد الصَّادق إعداد/ الباحث أبو مدين شعيب تياو]
مشواره العلميّ:
لما بلغ سنّ التعلُّم دعاه والده الشيخ الخديم – رضي الله عنه – إلى مدينة جُربل ولقنه درسه الأول ثم بعث به إلى المُعلّم الأكبر الحافظ المقرئ الشيخ عبد الرحمان لُوح في دار العليم الخبير السالفة الذكر مسقط رأسه، حيث واصل دراسته القُرآنية إلى أن انتقل من هناك إلى غِيدي عند الشيخ الحافظ المُجيد المتقن إبراهيم انجاي حيث أتقن كتاب الله تعالى حِفظا ورسما. وكتب بيده عدّة مصاحف. وبعد ذلك بدأ يتعلَّم من خاله الشيخ محمد بن محمد البسُوبي الشَّهير بـ(سرين امباكِّى بوسُو) العلوم الشرعية واللغوية، لكن لم يلبث أن كلَّف الخال أمُور تعليمه إلى ابنه العارف الفهامة الشيخ الحسن بُوسو، فقَد لازمه المترجم له وأخذ عنه من العُلُوم النَّصيب الأوفر حتى بَرع في فُنون شتّى، ثم شدَّ الرّحال إلى جوربل لإكمال دِراسته العلمية على يدى العالم الكبير سَرين مُحمد دم فصار مُشارا إليه بالبَنان في العلُوم، ولاسيما تفسير القرآن والسِّيرة النبوية، والتاريخ وعلم الأنساب، فقد كان فيها بَحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى !
ولله درّ الشيخ محمد المحمود انيانغ – أطال الله بقاءه فينا – الذي يقول في حقه :
خَبيرٌ بالقبائلِ بَل عَليمٌ = بأنسَاب الشُّعوب وبالوُلاةِ
يُميّزُ بينَ ألقابِ الرَّعايا = وذِي حضَرٍ ومَن هُم من بُداةِ
فيُنزلهُمْ مَنازِلَهُم بلُطفٍ = وتَمييزٍ عَجيب فِي البَياتِ
بعد أن أنهى المقرر المدروس آنذاك كانت من بَرنامجه اليومى مطالعة الكتب العلمية، وذلك لشغفه الشديد بالعلم ولفهمه قول والده الحكيم في منظومته ” نهج قضاء الحاج “:
ولا تكُن فِي كُلِّ يوم تَاركا = تَعلُّما ثم به اعمل ناسِكا
من سَجاياهُ وشِيمهُ
من أهم ما يميّز ملامح شخصية
الإمام الجليل والقُدوة الفريدة الشيخ عبد القادر – رضي الله عنه – اتخاذه النبي المصطفى عليه أفضَل الصَّلاة والسَّلام والآلِ والصَّحب المُزحزحِي الظلام قدوة ودليلا وإماما، واستمساكه استمسَاكا متينا بسنته البيضاء، ومتميَّزا باقتِدائه الشديد بالسنة في أدق تفاصيل الحياة وبمُحاربته الشَّرسة للبدع والخُرافات وعفته وقنَاعته التي ظهرت جليًا في سائر مراحل حياته العَطرة، ” ومن قنع بما عنده فهُو الأسْعد حَياة ” كما كان يسخر منصبَ إمامته وخلافته – وإن كانت هذه الآخيرة وجيزة – لتوجيه المجتمع الإسلامي بشكل عام والمريدي بشكل خاص إلى تحقيق مَبدإ الاستقامة اعتقادا وقولا وعملا، ليُعيد فيه التوازن الكاملَ بين الحَقيقة والشَّريعة . كان الإمامُ صُوفيا في أجل معاني التصوُّف وسُنيا في أدق تفاصيل السُّنة باعتبار التصوُّف والسنة وجهين لعملة واحدة، وهي الهدي النَّبوي الشَّريف.
ولله در الشّاعر:
فهَذا الشَّيخُ شَيخٌ ذو اتّباع = لسُنَّة مُصطفى مُفتي القضَاةِ
ولم يكن غريبًا عَلى من نشأ هذه النشأة الصالحة أن يشبَّ مُحبًّا للسُّنةِ الغراء؛ اقتداء بِوالدَه الكريم الذي كان يقُول في وصيته ” تيسير الغافر في جواب عبد القادر “:
وَدُمْ عَلَى السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ = مَا دُمْتَ عَاقِلًا فَذَا جَوَابِي
يقول الباحث المُحضرم الشيخ مُحمد المحمود انيانغ – حفظه الله ورعاه – في كتابه ” النَّهج القَويم في سِيرة الشيخ الخديم”، ص: (66) : ” وكان الشيخ عبد القادر عالما عابدا مستقيما على الطريقة والسنة الغرّاء. وكان سمحا محبّا للخير للجميع، جريئا في الحقِّ لا يخاف في الله لومة لائم، آمرا بالمعرُوف ناهيا عن المنكر حبيبًا رؤوفا رحيمًا، مَهيبًا عند الخاصّة والعامة، وطَلقَ المُحيَّا، حسَن التَّدبير، وسديدَ الرّأي، ولا حقودا ولا حسُودا، ولا نماما ولا مُغتابًا، كما كان رطب اللسان بذكر الله، مُواظبا عَلى التسمية فِي سائر أحواله، مُلازما للتيامن في كلّ شيء، حتى ركُوبه للسَّيارة، ولا يخفَى ما في ذلك من الشّق والكُلفة !!
وكان الشَّيخ شَاكرا لأنعُم ربِّ العزة والجبروتِ حَنيفًا، صابرًا وإذا كانَت القلوب جُبلت على محبَّة من أحسَن إليها، فواعجبًا لمن يرى محسنا إلا الله كيف لا يميلُ بكُليته إليه ؟!
قال بعضُهم:
إذا أنتَ لم تزدد عَلى كُلّ نعمةٍ = لمؤتيكهَا حُبًّا فَلستَ بِشاكِر
إذا أنتَ لم تؤثِر رضى الله وحدَهُ = على كلِّ ما تهوَى فلستَ بصابِرِ
وكان كثير الصَّلاح، صدوق اللسانِ، بشَّاشا هشّاشا، يحبُّ في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضبُ في الله، كاملَ الإيمانِ ومُخلصا فِي سائر عباداتهِ – بلا شكّ ولا ريب – يصلي الصَّلوات المكتوبات والنَّوافل كالضُّحى، ويُراقبُ الأوقات كلّ المُراعاة عَاكفا على تَرتيل كتاب الله تعالى، فأولاهُ مولاه العطايا الإحسانية كما أناله المَواهب العرفانية، وكان يعامل النَّاس أحسن المُعاملة لا يضيّع حَقّ أحد ففي ساحته يهنأ الزائِرون ، وفي حماه يغنم اللائذُون وينعَم النَّازلُون، ويسعَد بشفاعته القاصدُون، ولم يكُن هَذا الشيخ الجليل يُجامل أحدا فِي الحَق بل يُصارح بتقصيره إذا قصّر وينصحهُ إذا انحرف عَن الصِّراط المُستقيم بالحِكمة والموعظة الحسنةِ، ولا يقبل أن يُجاوز أحدا من أتباعه نِكاح أكثر من أربع زوجات مُراعاة للشَّريعة الإسلاميةِ، ولاغَرو أن يكُون عابدًا ومُوحّدا لتأثُّر قول الشَّيخ الخَديم – في سُلوكه الذي كان يقُول لأنجالهِ : ” لا ترجُوا ولا تَخافُوا ولا تأمنُوا أحدًا إلا الله تَعالى ” .
ولقد صدَّق الشيخ مُحمد المحمُود انيانغ – حفظه الله تعالى – حيثُ يقُول :
تراهُ الدَّهر يَأمرنا بصَبر = صَلاة في الجَماعات الهُداة
تَراه ضُحى يُبادر فِي جَلال = لترتيلِ الكتاب على الثَّباتِ
فيركعُ للضُّحَى نَفلا ويخلُو = بخَيمتهِ وفي قفرِ الفَلاةِ
فهل مِن بعدِ هَذا الشَّيخ شيخٌ = يُراقبُ كلّ أوقاتِ الصَّلاةِ
” وهذا … وسَلامة القلب من الضّغن والحسَد أول ما يتصف به المؤمن، بَل أدنى ما يتصف به . ولا يكمل إيمان المؤمن حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يُكره لنفسه “. [ ينظر : كتاب ” موسوعة أخلاق السَّلف ” لفضيلة الشيخ الدكتور محمود المصري، ص: (169) نقلا عن كتاب ” الإيمان والحياة ” للدكتور يوسف القرضاوي ( ص: 176- 178) بتصرف ]
فقد كان يطبقُ ما عنده من العلم دون تفريط أو إفراط، مما جعله صوفيا سنيا ومستقيما لا ينحرفُ عن الصِّراط السوي قولا ولا عملا إلى أن صار النموذج الأمثل في الجَمع بين الحقيقة والشريعة قد فهم فهما دقيقا قول والده في منظومتهِ ” مسالك الجنان “:
ولا تكُن مُفرِّطا أومُفرِطا = بَل استقِم في سُنة وأقسطا
وكان مُجابَ الدَّعوةِ وافيا بالعهد ومُنجز الموعُود، ومعروفا باصطناع المعروفِ للنَّاسِ، سَمحا مِعطاء بذَّالا للمالِ للبَادي والعاكفِ والقَاصي والدَّاني عَطاء مَن لا يخشى الفاقَة، ومأوى الأرامل والعُفاة، وما أصدق قول الشَّاعر في حقّه:
كلتَا غياثٌ عَمَّ نفعهُما = تَستَوكفانِ ولا يعرُوهُما عدَمُ
سهلُ الخَليقةِ لا تُخشَى بَوادرهُ = يزينهُ اثنانِ: حُسنُ الخُلق والشِّيمُ
ولا يشكُّ أحدٌ أنَّ اصطناع المعروف للناس يقي مِن مَصارع السُّوء فِي الدُّنيا، وأنَّ خيرَ النَّاس هو أنفعهُم – وهو صاحبُ المعروف – كما رويَ عن جابر بن الله – رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلَّم – قال : (خيرُ النَّاس أنفعهُم للناسِ) [رواه الطبراني في (الكبير)، والدارقطني، والبيهقي في ” الشعب “، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3289)] ، ويقول – صلى الله عليه وسلّم – : ( عليكُم باصطنَاع المعروفِ، فإنَّهُ يمنعُ مصارع السُّوء ) [ رواه ابن أبي الدُّنيا في قضاء الحوائج (25، رقم 6)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (4052)]
ولا أكُون مُبالغا لو قلتُ: وبالجُملة، كان خُلقه القرآن الكريم، ولذلك أحبَّه الناس حُبًّا جَما وانبهرُوا بأخلاقه العظيمة . [ ينظر: ” النَّهج القَويم في سِيرة الشيخ الخديم”، للشيخ محمد المحمود انيانغ، و ” الشيخ عبد القادر امباكي العالم السُّني والمريد الصَّادق ” إعداد/ الباحث أبو مدين شعيب تياو، و ” الشيخ عبد القادر امباكي ” عُنوان مقالة وجيزة كتبها المفتش الأستاذ الباحث النَّاقد سام بُوسو عبد الرحمان – حفظه الله ورعاه -، بتصرّف شَديد ]
۞ مِن كلماتِه الطيِّبة وحِكمه النَّافعةِ
كان الشيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه – يقولُ في حِكمه الرَّصينة وتوجيهاته الرَّشيدة التي تلمح فيها بريق النَّجابة وتشمُّ فيها رائحة البَراعة ومنها قولهُ : ” الحقيقةُ زبدة لا تُؤخذ إلا من لبَن الشريعة “. ومما يروي عنه قوله: ” ليسَ هُناك شُجاع بل هناك موفق منصُور” وقوله: ” ينبغي أن تشكُر أخاك عَلى المعروف ولو واجبا نظرا لوجُود من أهمل واجبَه نحوكَ ” وقوله: ” سَوف يُعاين الناس كلّ ما وعد الله تعالى في القرآن صادقا، كما عاينُوا قوله تعالى: { كلُّ نَفس ذائقة الموتِ } [ سُورة العنكبُوت : 54 ] حقا إلا أن هذا الوَعد حَان وقت الوفاء به وبعض الميعاد تأجل وقته “.[ ينظر: ” نبذة عن حياة الإمام الأكبر الشيخ عبد القادر امباكي”، اعداد/ اللجنة الثقافية التابعة لدائرة أحفاد الشيخ عبد القادر امباكي (النسخة الإلكترونية)، بتصرف يسير]
ويقول أيضا في تقريظ كتاب ” كلمة الله هي العليا ” الذي كتبه نجله الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم – رضي الله عنهما – لما عرض عليه العلماء السنغاليون قانُون العائلة: ” الحمدُ لله العلي الأعلى، والصلاة والسلام عَلى نبيِّنا محمد حبيب المَولى، وعلى آله وأصحابه الكرماء، أما بعد: لما رأيتُ ما كتَبه بن أخينا الشيخ أحمد البكي بن الشَّيخ محمد المُصطفى البكي بن الشيخ أحمد بمب البكي في الإنتصار للدِّين والنَّصيحة للمُسلمين وجدتة مِن أصحِّ ما كتِب في ذلك، وأحسن ما قرر من ذلك الأمر ، فجزاه الله عنا خيرا آمين “.
۞ تعينُه الإمام وخلافتُه
فمن المعلُوم أنَّه تولى مسؤولية الإمامة بمسجد طوبى الجامع طيلة خلافة الشيخ عبد الأحد امباكّي، وظلَّ فيها إماما وخطيبا لمدة إحدى وعشرين سنة من (1969م – 1990م)؛ يؤم فيه الجمعات والعيدين، ولم يختلف عنها سوى مرتين أو ثلاث، وذلك في أيام حَجّه سنة 1976م، وفي الجمعة الأخيرة مِن حَياته حين أنهكه المرض. وكان إمام الأئمة بلا مُنازع يُصلي عَلى كثير من جَنازات الأئمة والعلماء والمشايخ فِي هَذه المُدَّة .
وقال الشيخ محمد المحمود انيانغ – حفظه الله ورعاه – :
فهَل من بَعدِ هَذا الشَّيخ شَيخٌ = خَطيبٌ في المَساجدِ كالكُماةِ
وقد تولَّى أيضا – رحمه الله – الخِلافة المُريدية بعد التحاق أخيه السَّيخ عبد الأحد امباكي بالرفيق الأعلى، ولم تدم مدة خِلافته إلا أحد عشر شهرا، وذلك شهر يُونيو سنة 1889م إلى شهر مايُو سنة 1900م، لكنَّه خلال هذه المُدّة القصيرة قام بأعباء الخلافة خير قيام، وسهر عَلى المصالح العامة حَريصا على ما يجلبُ النَّفع للأمة كافةً . [ ينظر: ” الشيخ عبد القادر امباكي العالم السُّني والمريد الصَّادق ” إعداد/ الباحث أبو مدين شعيب تياو ]
حجُّه إلى بيت الله الحَرام
زَار الإمام الأكبر الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنه – بيتَ الله الحَرام لأداء فَريضة الحجِّ الركن الخامس من أركانِ الإسلام في سنة 1976م أثناء خلافة الشيخ عبد الأحد امباكي- رضي الله عنه وكان ولده الشيخ محمد الأمين بار فاضل
حاميهُ وحارسَه من كلّ مَكروه ورئيسًا للوفد المُرافق لهُ بإذن من الخليفة البَاني فقام بذلك أحسن القيام.
ويتكوّن هذا الوفد من الشيخ عبد القادر امباكي، والشيخ محمد الأمين بار امباكي، الشيخ عبد الرحمان امباكي بن الشيخ إبراهيم امباكي المعروف بـ” سرين دَام آتَ امباكي”، والشيخ سرين أحمد امباكي بن الشيخ شعيب امباكي، والشيخ محمد الحبيب امباكي، والشيخ عبد الله امباكي بن الشيخ الخديم، وسرين دَام جتَر أحد أتباع الشيخ عَبد القادر امباكي الإمام، وسَرين حَمدي امباكي مَيمونة الكبرى، وسَرين مُحمد الباقر بوسو الذي كانَ الخليفة الثالث للشيخ امباكي بُوسو،
، وسَرين مختار بُوسو الذي أصبح الخليفة الخامس للشيخ سرين امباكي بُوسو، وسرين مَامون شيك أحد أتباع الشيخ عبد القادر امباكي، والشيخ حَسن بُوسُو بن سرين امباكي بُوسو الذي توفي فِي مكّة المُكرمة أثناء هذا الحجّ وقبره هُناك يُزار الذي قال لما عقد العزم على أداء فريضة الحج فقال منشدا :
جنابُ القرم أخدمه إذا ما = مواجهة الحَبيب هنا تفوت
وأرجُو الله فى ذا السَّعي حَوزى = مجَاورة الشّفيع إذا أموت
وفي هذا الصَّدد يقُول الباحث الأديب أبو مدين شعيب تياو – حفظه الله ورعاه – :
وحجَّ نجلهُ الفَتى محمدُ = الفاضلُ النَّدبُ الشُّجاعُ الأمجَدُ
وأخواهُ: المُرتضى التَّقيُّ = ثُمّتَ عبدُ القادر النقيُّ
ربِّ بهِ وَبِهِمُ جَمِيعَا = بِالحجِّ جُدْ لنا وكُن سَمِيعَا
وقد أسَّس هذا الشيخ المترجم له قُرى كثيرة للتربية على العبادة والعمل المثمر ومن هذه القرى : بغداد، البستان … كما ذكره الشيخ محمد المحمود انيانغ – حفظه الله ورعاه – في النهج القويم ، ص: (66)
۞ علاقَاتُه مَع إخوانِه الصَّالحينَ
ولا شكَّ عند مَن له أدنى مسكة ذَروة مِن ذَوق العلم أنَّ علاقة الشيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه – بإخوانِه الصَّالحينَ كانت علاقات وطيدة وصِلات طيبة، حيثُ كان يُخالطهم ويُخالطونهُ، ويُحدّثهم ويُحدثُونهُ ويزُورهم في أوقات فَراغهِ ويَزُورنه، وكانوا يتخذونه صديقا يسمُّونه بأبنائهم، و يُشاورنه فِي أمورهم الخاصَّة، وكلَّفوه بمسؤولية الإمامة العظيمةِ في الجامع الطوبويّ لاستقامتِه ونَزاهته، وهذه دلائل واضحة على مَتانة ثقتِهم به إلى درجة كبيرة ومكانته العالية عندهُم.
وكان هَذا الشَّيخ الجليل يُقدِّم محصُولاته الزِّراعية هَدية خالصَة لخُلفاء الشَّيخ الخديم – رضي الله عنهم -.
۞ ما قيل عَن الشَّيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه –
وها هي قُطوف وشَذرات من شَهادات العُلماء الأجلاء في الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنه – شِعرا ونثرًا نود أن نتحِفكُم بها في هَذا الومضِ .
شَهادة خاله سَرين امباكّي بُوسو – رضي الله عنه –
ويرقنا أن نذكر هُنا جُملة من الشَّهادات التي قيلت فِي حقّه مما ذكره العلماء والرُّواة قبل ختام هَذا البَحثِ .
نقلت الرُّواة أنَّ الشيخ عبد القادر بن الشيخ الخديم – رضي الله عنهما – كان مفطورا ومشهورا بحُبّ صلاة الجَماعة منذ نعومة أظفاره وخير دليل على ذلك أن العالم العلامة الشيخ امباكّي بوسُو يشهد له بذلك قائلا : ” إنَّ عبد القادر لا يمنعُه المطر ولا شدّة الحَرارة من الإلتحاق بصلاة الجَماعة؛ لأننى إذا سَلمتُ سيكُون هو أول مَن تقع عَينى عليه “.
ومن جميل ما يذكر في هذا قول الشيخ عبد العزيز سه في مرثية الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنهما – بقصيدة جاء فيها :
كان تقيا عَالما سُنيا = وخائفًا لربِّه مرضيا
وكان رَحيمًا بعِباد الله = وطالبًا لهم رضَى الإلهِ
وكان كالخدِيم فِي مَحبة = خيرِ البرية شفيعِ الأمة
والدُه رضِي عَنه اللهُ = رضى يَعمُّ كلَّ مَن والاهُ
كان أذَى الخلق حَمُولا صَابرا = على النوائبِ لهُم وناصِرا
كان وقورا حَسنَ الأخلاقِ = مقتديا بسيِّد الأخلاقِ
سيّانِ عندَه القريبُ والبعيدْ = يَحترمُ الكل لربّنَا المجيدْ
[ ينظر: النَّهجُ القَويم في سِيرة الشيخ الخديم، للباحث المُحضرم الشيخ مُحمد المحمود انيانغ – حفظه الله ورعاه -، الأزهر للطباعة والنشر1421ه – 2003م، ص: (66 وما بعدها)]
ولا نستطيع أن ننسى قول الناصح الصَّالح الشَّيخ عبد العزيز سه في حقّ الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنهما – : ” مَن أراد أن ينظر إلى أهل الجنة فوق الأرضِ فانظُر إلى الشيخ عبد القادر امباكّي الذي كان يمشي كالملكِ؛ لأنه يستحضرُ عَظمة الله تبارك وتعالى أوانَ مَشيه “.
ولا عجبَ أن تخرُج هَذه الشَّهادة الخالدة مِن فمِ هَذا العالم الحبر؛ لأنَّهُ كان يسعَى دَوما في كلّ ما مِن شَأنه ازدهار الإسلام وَوحدة المُسلمينَ وإن اختلفت مشاربهم ومذاهبهم وأفكارهم وعقائدهم فِي بعض الأحيان، فجزاه الله خيرا كثيرا .
وقال العلامة الشيخ أبو بكر بوسو في مدح البدر التمام والسند الهمام الشيخ عبد القادر – رضي الله عنهما – ببغداد وهي هذه :
تبغدَد إذا مَا مقت يا خلِّي العُلى = تَجد ما يفُوق الظنَّ فيها مِن الإلى
مَحل عُبيد القادر السَّند الذي = ترى وجهه يجلُو الظلام إذا جَلى
وبادِر إلى زَور الكريم تبرُّكا = ففِي زوره رضوان ربِّي الذي عَلا
وقبل بنان الشَّيخ طُرا وكفه = نأت عنك آفات القلُوب مع البلى
أحاتم جُودا إن أتيتَ لحاجَة = أم الشيخ إذ يعرُوك خَوف أو البَلا
متى مد للرحمن كفا أجابَه = وأولاه ما أولاهُ منه تفضُّلا
تراه لأهلِ الله قرَّة أعيُن = ولست ترى مِن جَانبِ من له قِلى
إلهي طول عُمره رحمة لنا = وللدّين والإسلامِ نَصرا وزد عُلى
ومن ضَرر سَلمه ما دام صَالحا = وما غرد الغمرى فَي الغصن بالفَـلا
على سيِّد الكَونين طُرًّا مُحمد = سلاما كريم يَصطفيه مِن المَـلا
وله أيضا زيد فيضا متوسلا به في معرض مَدحه للشيخ الخديم – رضي الله عنهم – :
وبالشيخِ عَبد القادر الفَرد والذي = لَقام مقام الشَّيخ فِينا بلا فنَد
وها هو الشيخ عبد الرَّحمان بُوسُو يقولُ في مدح إمام الأئمة، محيى السنة النبوية الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنهما -:
هدية مِن مُريد أسير الحبّ لشيخ متصرف كيفما شاء في الدفع والجلب
وَاهًا ِلذِي كَرَمٍ جَوَادٍ نَاصِرٍ = بَدْرِ الْبُدُورِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ
هُوَ سَيِّدٌ وَابْنُ الْخَدِيمِ وَخِلُّهُ = وَحَبِيبُهُ وَشَبِيهُهُ لِلنَّاظِرِ
هُوَ سَيِّدٌ هُوَ مَاجِدٌ هُوَ نَاسِكٌ = هُوَ نَاصِحٌ يَشْفِي فُؤَادَ الزَّائِرِ
مَا زَالَ يَسْلُكُ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ = سُبُلَ الْمَعَالِي سَابِقًا لِمُبَادِرِ
أَنتَ الَّذِي مَا زِلْتَ تَسْبِقُ لِلْعُلَى = بِقِرَاءَةٍ وَعِبَادَةٍ لِلْغَافِرِ
سُدْتَّ الْبَرِيَّةَ بِالتُّقَى وَالزُّهْدِ لَمْ = يَرَ مِثْلَكَ الرَّاءُونَ لَا وَالْقَادِرِ
أَنتَ الْمُقَدِّمُ وَالِْإمَامُ الْمُرْتَضَى = بُشْرَى الْهُدَاةِ وَغُصَّةٌ لِلْكَافِرِ
وَرَكِبْتَ طِرْفَ الْمَجْدِ ثُمَّ رَكَضْتَهُ= وَسَبَقْتَ جِيلَكَ لِلْمَحَاسِنِ فَاخِرِ
جُزْتَ الْفَضَائِلَ وَالْمَكَارِمَ كُلَّهَا = وَعَلَوْتَ كُلَّ مُمَاثِلٍ وَمُعَاصِرِ
وَدُرِيتَ فِي وَقْتِ الصِّبَا مُتَقَلِّدًا = طَوْقَ الْوِلَايَةِ مُفْحِماً لِمُنَاظِـرِ
يَاصَاحِ إِنْ رُمْتَ السَّلَامَةَ فِي غَدٍ = مِنْ حَرِّ نَارٍ ذَاتِ قَعْرٍ غَائِرِ
فَأَصِخْ أُخَيَّ إِلَى مَقَالَةِ نَاصِحٍ = يَهْدِيكَ حَقًّا لِلْمُجِيرِ السَّاتِرِ
فَأَنِخْ مَطِيَّكَ فِي حِمَاهُ وَأَخْلِصَنْ = فِي خِدْمَةٍ فَإِلَى الَْأوَامِرِ بَادِرِ
بِإِرَادَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَ عَزِيمَـةٍ = بِالصِّدْقِ وَالِْإخْلَاصِ مِثْلَ مُهَاجِرِ
فَهُنَاكَ تَحْوِي مَا تُرِيدُ مِنَ الِْإلَى = وَتَحُوزُ رِضْوَانَ الإِْلَهِ الْقَادِرِ
هَذَا وَعَنْ عَدِّ الْمَنَاقِبِ لَمْ يُطَقْ = لَا بِاللِّسَانِ تَفي وَلَا بِمَزَابـرِ
فَاللَّهُ طَوَّلَ عُمْرَهُ وَأَتَمَّ مَا = يَنْوِي وَيطْلُبهُ بِعَوْنِ النَّـاصِرِ
صَلَّى الِْإلَهُ عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ = بِالآلِ وَالَْأصْحَابِ أَهْلِ بَصَائِرِ
ومما قاله فيه ابنه البارّ الحاج محمد المحمُود انيانغ – حفظه الله ورعاه – سنة 1995م :
ألا حُقَّ البُكاء عَلى الحُماة = لهذا الدّين من أهل الصّفاتِ
علَى مَن حَبَّهُم ربُّ البَرايا = وحبَّبهُم إلى كُلِّ الثقاتِ
فعبدُ القَادرِ البكيُّ محبُو = بُ كلِّ الخلقِ من جِنٍّ وناتِ
صدوقٌ صَادق للوعْد عَبدٌ = تقيٌّ صَالحٌ حقّ التُّقاةِ
لطيفٌ بَل رؤوفٌ بَل رَحيمٌ = فَأحرَى بالحُفاةِ وبالعُراةِ
سخيٌّ بل جَوادٌ ليسَ يُخفي = ليادًا لِلأرامل كَالعُفاةِ
وذُو وَجهٍ طليقٍ ذُو ذَكاءٍ = حَديدٍ في تأمُّل ما سَياتِي
فهَذا الشَّيخُ ذُو خُلقٍ عَظيم = وذُو قلب سَليمٍ ذُو هباتِ
فهَذا الشَّيخُ شَيخٌ لا يُضاهَى = بحُنكتهِ ومعرفَة الذَّواتِ
[ تجد هذه القصيدة بكاملها في كتابه ” النهج القويم في سيرة الشيخ الخديم ” ، ص: (67)]
ويقول الشيخ عبد الرحمان امباكي بن الشيخ عبد القدوس – حفظه الله ورعاه -:
طلب مني الأخ الفاضل محمد المصطفى ميمونة أن أنشأ له قصيدة رثاء لشيخه شقيق أمه الشيخ عبد القادر امباكي بن الشيخ الخديم – رضي الله عنهما – الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في يوم الأحد 17 من شوال 1410 هـ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الْعَبْدُ مَنْ يَرْضَى بِحُكْمِ الْبَارِي = فِي كُلِّ مَا يَأْتِيهِ مِنْ أَقْدَارِ
فَمَشِيئَةُ الرَّحْمَنِ تَنـْفِذُ دَائِمًا = فِي خَلْقِهِ مِنْ غيْرِ مَا إِنْكَارِ
وَالْمَوْتُ بَعْدَ فَنَاءِ عَبْدٍ فِي الْعَلِي = شَرَفٌ عَظِيمٌ لَا يُرَى بِالْعَارِ
بَلْ غَايَةُ الْغَايَاتِ إِذْ يَصْفُوا بِهِ = أُنْسُ اتِّصَالِ بِالرَّحِيمِ الْجَارِ
رَحَلَ الْإِمَامُ الْبَرُّ عَبْدُ الْقَادِرِ = الْحِبُّ التَّقِيُّ لِلْوَاحِدِ الْقَهَارِ
رَحَلَ الزَّعِيمُ الطُّوبَوِيُّ إِمَامُنَا = الْبَمْبَوِي السِّرِّ وَالْإِجْهَارِ
شَرُفَ الْحَيَاةُ بِنُورِ مَوْلِدِهِ الْوَضِيءِ = بِجَلْسَشٍ مِنْ هِجْرَةِ الْمُخْتَارِ
فَأزَاحَ ظُلْمَةَ الْوُجُودِ طُلُوعُهُ = كَالْبَدْرِ فِي أُفُقِ السَّمَآ الْبَهَّارِ
حَتَّى نَهَارَ الْيَوْمِ (يَزْ) شَوَّالٍ = هَذَا الْعَامِ يَتْشٍ غَابَ عَنْ ذِي الدَّارِ
فَتَكَمَّشَـتْ رُوحُ الْحَيَاةِ وَنُكِسَتْ = أَعْلَامُهَا لِجَسَامَةِ الْأَخْطَارِ
غَابَ الْحَبِيبُ كَأَنَّنِي مِنْ بَعْدِهِ = جِسْمٌ بِلَا رُوحٍ وَحِيدٌ عَارِي
ذَهَـبَ الْحَبِيبُ كَأَنَّنِي مِنْ بَعْدِهِ = طِفْلٌ رَضِيعٌ فَاقِدُ الْأَظْئَارِ
رَحَلَ الْحَبِيبُ كَأَنَّنِي مِنْ بَعْدِهِ = زَرْعٌ بِلَا سَقْيٍ مِّنَ الْأَمْـطَارِ
لَوْلَا التَّجَلُّدُ وَالتَّصَبُّرُ وَالرِّضَى = لَجَرَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ كَالْأَنْهَارِ
عَبَدَ الْإِلَهَ بِسُنَّةٍ وَتَعَلُّقٍ = بِالْخَادِمِ الْمِفْضَالِ ذِي الْأَنْوَارِ
يَا سُنَّةَ الْمُخْتَارِ فَابْكِي وَانْدُبِي = عـَبْدَ الْقَدِيرِ كَوَابِلٍ مِّدْرَارِ
وَارَى الثُّرَى مَنْ لاَّ يُوَارَى فَضْلُهُ = وَثَنَاءُهُ فِي غَابِرِ الْأَعْصَارِ
لَا زَالَ يَسْقِي تُرْبَهُ مِن وَّابِلِ الـ = ـرَّحَمَاتِ دَوْمًا كُلُّ مُزْنٍ صَارِ
بِالْمُصْطَفَى وَبِآَلِهِ وَصِحَابِهِ = وَخَدِيمِهِ وَبِجَاهِ أَهْلِ الْبَارِي
عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُهُ = وَسَلَامُهُ الْمُتَتَابِعُ التَّكْرَارِ
اللهم صلِّ عَلى سيِّدنا مُحمَّد وآله وصحبه وسلَّم
وقال الفقيرُ الحقير إلى رحمة مولاه الغني القدير البسُوبيُّ عبد الرحمان منَّ عليه الله المنَّان يهنئ الشيخ الكريم والسيّد العظيم شيخنا عبد القادر البكي في حجِّه :
ألا أيُّها الشَّادِي ارْفَعِ الصَّوتَ للْعُلَى= بحمد وشُكر لـلإله الذي هَــدى
أعِنِّي عَلى تَوجيهي المدْحَ والثنـآ = إلى الشيخ عَبد القادر السيدِ الرِّضَى
إلى ابنِ خديم المُصطفى وخليلِـه= وحبّ رسُول الله حقًّا بلا مــرآ
إلى خيرِ مَنْ أَسرى إلى الشَّرق طالبا = رِضى الله فِي ذاك السُّرى نال ما ابتغَى
فغـابَ لأمر الله بـَدرا مُنــوَّرا = وآبَ إلى مثواهُ شمسًا لـِمَن رأى
أُهَنِّيكَ يا مِكرَامُ من حجَّةٍ صفـت = ومن عُمرةٍ مقبولتَين مع الرضى
وبَشَّ رسُولُ الله هشَّ بوجـهـه = كذا صحبُه ثم المزاراتُ والقُبــآ
به رحَّب البيتُ الحرامُ وصحبِـه = كذا الموقفُ الأعلَى وسُرَّ به مِـنى
فطوبَى لِمن حجُّوا وزارُوا بعامِـه = فنالُوا به الغُفرانَ والأمنَ مِن لظَى
تقبَّلْ إلهي حجَّـه ودُعــاءه = وزورته واشكر له السَّعْيَ والسُّرى
وخُصَّ لـِقوم صُيِّروا رُفقة لـه = بزيد من الرّضوان وَالمجد والهُدى
رجَونا به نيْــلَ المرامِ لأنَّـه = يعــمُّ جميعَ المسلمين إذا دَعـــا
فصلِّ علَى المُختار ربِّ وسلِّمـن = مع الآل والأصْحاب طُرًّا ومَنْ تَلَا
[ ينظر: ” مِنْ شِعرِ الإمام الشيخ عبد الرحمن بوسو الشهير بـ”سرين دام امبر” جمع وتقديم/ الأستاذ سام عبد الرحمان – حفظه الله تعالى- وقدم له الدكتور خديم امباكي الباحث بـ(IFAN) ص: (19) وما بعدها ].
وقال الشَّيخُ الإمام مُحمد المأمون بوسو – حفظه الله ورعاه – في تهنئة وزيارة الشيخ عبد القادر امباكّي لدى قدومه من الحَرمين الشَّريفين :
بُشرى لنا بقُدوم الشَّيخ مَن زارا = خيرَ البَرية فِي المثوى ومَن جارا
أكرم به سيِّدا نال العُلى فغَدا = فِي حجِّه جامعَ الأنوار مبرّرَا
قَد غابَ بَدرًا مُنيرا نَستنيرُ به = وعاد من بعدُ شَمسًا حاز أسرارَا
يَا وارثَ القُطب فِي عِلم وفي كرَم = وفي سَخاءِ وفي تخْليص مَن حارَا
زرناك مُرتجيا بيُمنكم رُشدا = مِن أمرنا وبهِ نجتازُ أوْطارَا
يا مَن يُحاولُ فِي الدَّارين من وَزر = تلقي محيَّاه يَنفي عنك أكدارَا
إن كنتَ ذا رغبَ أو كُنت ذا رهَب = فزُره في دَاره أو خِفتَ أوْزارَا
لا زلتَ فِي الدِّين محرُوس الوِلاية معـ = صوما من النَّاس مَن جارَ ومن زارَا
بجاهِ خَاتم رسل الله قَاطبة = عليهم الدَّهر تسليمَا الَّذي اختَارَا
[ ورود هذه الأبيات في كتاب ” النهج القويم ” للباحث الشيخ محمد المحمُود انيانغ ، ص: (67 – 68)]
والحَاصلُ نحن نُلاحظُ أنَّ جماعةً من فُحول الشُّعراء وأئمة الهُدى الذين لهم مقامهم المعروف ومَكانتهم العالية مدحُوا وأشادُوا، كما تحدَّثوا بأروع بيان وأحكم تبيان عَن فضائل ومناقب وسِماتِ هذا البهلُول [2] الصِّنديد الشيخ عبد القادر امباكي – رضي الله عنهم -، فهذا يؤيّد صَلاحه وكَماله .
۞ التحاقُه بالرفيق الأعلى:
انتقل الإمام الأكبر الشيخ عبد القادر امباكّي – رضي الله عنه – إلى جوار ربه راضيا مرضيا يوم الأحد [3] بعد صلاة الظُّهر 17 شوال 1410هـ الموافق 13 مايو( أيار) 1990م في مدينة طُوبى، وكان عُمره 76 سنة. وووري جُثمانه الشّريف أمام روضة والده الشَّريفة في طوبى المحروسة – رضي الله عنهما ونفعنا ببَركتهما فِي الدَّارين آمين -.
يقول الشَّاعر:
حَتَّى نَهَارَ الْيَوْمِ (يَزْ) شَوَّالٍ = هَذَا الْعَامِ يَتْشٍ غَابَ عَنْ ذِي الدَّارِ
خلاصة
ولو أمعنا النَّظر في حِياته لوجَدنا أنَّ الشيخ أفنى عُمره في العبادةِ الخالصة والعمل النَّافع والإنجازات النفيسة على الرَّغم من قصر خِلافتهِ، لكنه شخصية خالدة فِي التَّاريخ وأذهانِ الشُّعوبِ إلى وقتنا الرَّاهن كما قال الإمامُ الشَّافعيُّ – رحمه الله تعالى -:
قَد ماتَ قومٌ و مَا ماتَت مَكارمُهُم = وعاشَ قومٌ وهُم فِي النَّاسِ أمواتُ
هذا ما تيسر لنا جَمعه من حَياة هذا الإمام العظيم والقُدوة الفريدة، نسأل الله أن ينفع بهذا البحث والمقال المتواضع جميع الباحثين، وأن يتقبله منا قبولا حسنا، وأن يجعله خالصًا لوجهه وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آلِه وصحبه وسلّم .
من مراجع البحث
النَّهجُ القَويم في سِيرة الشيخ الخديم، للباحث المُحضرم الشيخ مُحمد المحمود انيانغ – حفظه الله ورعاه -، الأزهر للطباعة والنشر1421 ه
الشيخ عبد القادر امباكي العالم السُّني والمريد الصَّادق إعداد/ الباحث أبو مدين شعيب تياو
نبذة عن حياة الإمام الأكبر الشيخ عبد القادر امباكي، الإعداد/ اللجنة الثقافية التابعة لدائرة أحفاد الشيخ عبد القادر امباكي (النسخة الإلكترونية)
الشيخ عبد القادر امباكي بقلم المفتش الأستاذ الباحث النَّاقد سام بُوسو عبد الرحمان – حفظه الله ورعاه –
مِنْ شِعرِ الإمام الشيخ عبد الرحمن بوسو الشهير بـ”سرين دام امبر” جمع وتقديم/ الأستاذ سام عبد الرحمان – حفظه الله تعالى- وقدم له الدكتور خديم امباكي الباحث بـ(IFAN)
بمرقَم الأخ الفقير إلى الله سَرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية ومدرس اللغة العربية فِي معهد الخليل الإسلامي
حرر في فاتح شهر أكتوبر 2017م ، محرم 1439ه .
الهوامش
1- يقول الباحث: ” قد ولد في دار العليم الخبير كثير من أبناء الشَّيخ الخديم ومن ضمنهم الشيخ عبد القادر البكي الخليفة الرابع وإمام جامع طوبى إحدى وعشرين سنة من سنة (1968- 1969م إلى 1990م .
وحتى الآن يُؤخذ اثنا عشر من أبنائه وبَناته ولدُو وماتُوا وقبروا فِي دار العليم الخَبير ” .
هو المعلم الذي انتخبه الخديم لهذه المهمة الجليلة لما عزم الشيخ عبد الرحمان لوح – رضي الله عنه – على عدم عودته إلى أهله مع أنه كمل مدة التربية قال له الشيخ الخديم – رضي الله عنه – : ” لا يجوز عليّ الآن أن أستخدمك كما كنت أولا، ولكني أغير نوع العمل. وأسس البلدة التي سمّاها (دار العليم الخبير) وأمره بالإقامة فيها للتعليم وتحفيظ القرآن الكريم. وسلمه أولا أخاه مَصَمْبَ البكي أصغر أولاد الشيخ الوالد وكذلك الشيخ عُمر بك كِلُوكَلْ الذي كان صغيرا و لم يبلغ سن التعلم آنذاك، وغيرهما من كبار المُريدين .
وبعد ذلك سلّمه الشيخ مُورْ رقية بوسُو ابن السيد شَيْخُو بُوسُو والشيخ محمد المصطفى والشيخ محمد الفاضل اللذين أصبحا خليفتين للشيخ الخديم رضوان الله عليهم أجمعين، وكذلك سرين صار ابن الشيخ إبراهيم صار وبعض أولاد كبار المُريدين. وبقي العبد في هذه البلدة (دار العليم الخبير ) يؤدي هذه المهمة حتى انتقل إلى رحمة ربه رضوان الله عليه و نفعنا ببركاته. [ نقلا عن كتاب ” كشف الغطاء عن الشخصية البتراء” في سيرة سرين اندام عبد الرحمان للباحث الحفيد سميه الشيخ عبد الرحمان مصطفى اللوحي، ص: (38 -) و (73)]
2- البهلُول: جمع بهلُول: وهو السِّيدُ الجامع لصفات الخير.
3- يُروى فِي الأثر أنَّ سرين جِيل جُوب بن سرين مصمب جُوب شام هو آخر من رآهُ فِي هَذا اليوم.V
منقول من موقع الخديمية